لماذا يحتج العمال؟
فاطمة رمضان*
دائما ما نسمع من يقول» :لماذا يبدأ العمال بالاعتصام والإضراب، ولا يبدأون بتقديم الطلبات وانتظار الرد؟»، كما نسمع :»هل تستطيع الحكومة أو الرئيس تنفيذ المطالب مرة واحدة؟ لماذا لا يعطونهم فرصة للتنفيذ؟»
الحقيقة أن العمال دائما ما يبدأون بتقديم الطلبات والتفاوض، ودائما ما يبدون النوايا الحسنة، لكن الطرف الآخر هو من يدفعهم للاعتصام والإضراب دفعاً، بعد أن يعد ولا ينفذ، وبعد أن يوقع على اتفاقيات تصبح بمثابة قانون، لكن المسؤولين دائما ما ينقضون عهودهم التي قطعوها على أنفسهم، ويعتبرون أن ما يوقعون عليه من اتفاقيات كأن لم يكن، فكيف يطلب من العمال بعد ذلك أن يصدقوهم؟
أمامنا ثلاثة أمثلة تحدث الآن دليل على ما نقول، وهي في ثلاثة مجالات مختلفة، لكن المسؤولين في الحالات الثلاث هم مسؤولون حكوميون كبار، وزيران ومستشار رئيس الجمهورية، إحداها لعمال ميناء العين السخنة، والثانية لموظفي القوى العاملة والهجرة، أما الثالثة فهي لمن اجتازوا الاختبارات بالطاقة الذرية ويعطلونهم عن تسلم عملهم.
اعتصم عمال ميناء العين السخنة وأضربوا عن العمل خلال هذا العام ثلاث مرات، ليس بسبب أنهم محبون للإضراب، وتعطيل العمل كما يتصور البعض، لكن لقيام إدارة شركة موانئ دبي بنقض كل العهود والاتفاقيات، التي أبرمتها مع العمال، ووقعتها في حضور كبار المسؤولين سواء على المستوى المحلي في محافظة السويس، أو على مستوي وزراء ومسؤولين بالدولة.
كان الإضراب الأول لعمال «السخنة» في شهر فبراير الماضي، وذلك للمطالبة بإبعاد الفاسدين عن الميناء ومحاكمتهم، والمطالبة بحقهم في وضع هيكل وظيفي، للقضاء علي تفاوت الأجور لنفس العمل، وحقهم في الأرباح وبدل المخاطر، و بعد أن قضى العمال شهورا يترددون على وزارة القوى العاملة والهجرة في جلسات تفاوض لم يصلوا فيها لشيء، أجبروا بهذا الشكل على الدخول في إضراب من أجل مطالبهم المشروعة والقانونية باعتراف المسؤولين.
كانت نتيجة صمود العمال رغم محاولات تشويه الإضراب أن تم توقيع اتفاقية عمل جماعية في حضور محافظ السويس، وقائد الجيش الثالث ومندوبة وزير القوى العاملة والهجرة، وتم تنفيذ بعض ما نصت عليه الاتفاقية، وبقيت الإدارة تماطل في تنفيذ باقي البنود حتي شهر أكتوبر، وعندما طالب العمال بتنفيذ الاتفاقية قامت الإدارة بفصل 7 منهم، ولم تستجب الإدارة لكل محاولات التدخل لحل المشكلة ليضطر العمال للإضراب مرة ثانية، دفاعاً عن حقوقهم، وعن حق زملائهم في العمل وضد فصلهم تعسفياً، خصوصاً أن وزير القوي العاملة، خالد الأزهري- الذي كان موجودًا بالوزارة في أثناء هذه الفترة وحتى الآن- عندما ذهبت إليه النقابة المستقلة لتطالبه بالتدخل ووقف فصل زملائهم قال لهم إنه لن يستطيع عمل شيء، وعليهم القبول بالفصل، لأن هذا هو قانون العمل.
أنهى العمال إضرابهم الذي استمر ما يقرب من أسبوعين بعد أن ذهب إليهم مستشار الرئيس د. محمد فؤاد جاد الله، وناهد العشري، وكيل وزارة القوى العاملة لشؤون التفاوض، وتم الاتفاق على إلغاء قرار الفصل، والتحقيق مع العمال السبعة، فيما هو منسوب إليهم من التحريض على الإضراب، ووقع العمال اتفاقية بحضور المدير التنفيذي لشركة دبي، وممثلي النقابة المستقلة، ثم فوجئ العمال يوم الأربعاء الموافق 19 ديسمبر بالشركة تعلق منشورًا بفصل سبعة عمال، واتصل العمال بكل المسؤولين الذين حضروا التفاوض، وتعهدوا أمامهم، لكن أحداً لم يجب.. فماذا تفعل لو كنت مكانهم؟
أعلن العمال الاعتصام بالموقع وسط تهديدات بفصل آخرين، وللآن لم يقرر العمال إيقاف العمل، فهل سيتدخل أحد من السادة المسؤولين قبل أن يضطر العمال لإيقاف شحن وتفريغ السفن؟
المثال الثاني هو موظفو مديريات القوى العاملة والهجرة في شتى المحافظات، الذين منذ سنوات وهم يتقدمون بمطالبهم للوزراء المتعاقبين بشأن سوء أوضاعهم الوظيفية والمالية، والتمييز الواضح ضدهم سواء في الأجور أو المميزات الأخرى، حيث يتقاضى زملاؤهم العاملون بديوان الوزارة ضعف رواتبهم، كما يتقاضى زملاؤهم في الوزارات الأخرى أضعافه (تصل لعشرة أضعاف ما يتقاضونه).
ولم يكتف موظفو المديريات بذلك، بل ظلوا يطالبون وزراء العمل بعد الثورة بداية من أحمد البرعي، وصولا للأزهري، وفي كل المرات يأخذون وعودا وعهودا لا تنفذ بحجة عدم وجود موارد رغم تقاضي كبار الموظفين بالوزارة الآلاف شهرياً، في حين لا يصل للموظفين سوى الفتات، حتى الفتات لا يصل لكل المحافظات، ما يعني أن القضية ليست غياب الموارد بقدر ما هي سوء توزيعها.
وأخيرا قرر وزير القوى العاملة والهجرة خالد الأزهري اختيار وكلاء وزارة، والغريب في الأمر أن يتم اختيار شخصيات صدر من الوزير قرار بمعاقبتها لإهدارها المال العام، وأبلغ عنها الجهاز المركزي للمحاسبات، ويرفضها العاملون في المديريات، فما كان من العاملين بمديرية الجيزة إلا أن ذهبوا لمقابلة الوزير لإعلامه برفضهم من اختارهم لمديريتهم، فرفض المقابلة بحجة اجتماع في مجلس الوزراء، وقابلوا مستشاريه وشرحوا لهم المشكلة، وانتظروا الرد، فكان رده سريعا في اليوم التالي مباشرة بأن تحدى العاملين، وأرسل وكلاءه لتسلم العمل، فكان من الطبيعي أن يرد العاملون بالاعتصام، فماذا تفعل لو كنت مكانهم؟
الحالة الثالثة، من اجتازوا اختبارات التعيين في الطاقة الذرية، في وقت نحن أحوج فيه لأمثالهم، خصوصاً أنهم حصلوا على كل الموافقات، والاعتمادات المالية، فلماذا المماطلة لمدة خمسة شهور، وحرمانهم من حقهم في العمل، وحرمان مصر من الاستفادة بجهودهم وكفاءتهم، فماذا تفعل لو كنت مكانهم؟، قاموا يوم الأحد 23 ديسمبر بوقفة احتجاجية يطالبون فيها وزير الكهرباء بحقهم في العمل، فما كان من السادة المسؤولين سوي استدعاء الأمن المركزي والشرطة العسكرية لفضهم، والقبض على ثلاثة منهم!
العمال في هذه الأمثلة وغيرها لا يعشقون الاحتجاج.. إضرابًا أو اعتصامًا أو تظاهرًا، ليسوا كائنات محتجة بالفطرة، هم ببساطة مضطرون إليه اضطرارًا، يدفعهم بؤس الحال وتدني الأوضاع إلى الصراخ بأعلى صوتهم، لعل أحدا يسمعهم، لكنهم للأسف يواجهون، ليس فقط بتجاهل، لكن بتشويه صورتهم ومطالبهم، ولأنه ليس هناك شيء بعد «لقمة العيش»، كما يقول الفقراء، فتستمر احتجاجات العمال، وإذا أردتم القضاء عليها، فانظروا إلى مطالبهم واستمعوا إليهم، فلن تجدي كلجيوش القمع أو التشويه، ولنا في التاريخ القريب كل العبر.
*فاطمة رمضان، مسئول ملف العمل بالمبادرة المصرية
منشور على بوابة المصري اليوم في 24 ديسمبر 2012